فصل: الفتنة بين الوزير ابن ماسي وبين السلطان ابن الأحمر واجازة السلطان أبي العباس إلى سبتة لطلب ملكه واستيلاؤه عليها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الفتنة بين الوزير ابن ماسي وبين السلطان ابن الأحمر واجازة السلطان أبي العباس إلى سبتة لطلب ملكه واستيلاؤه عليها.

لما بلغ الوزير ابن ماسي للواثق ورأى أنه قد استقل بالدولة ودفع عنها الشواغب وصرف نظره إلى ما فرط من أعمال الدولة وافتتح أمره بسبتة وقد كان السلطان موسى لأول إجازته أعطاها لابن الأحمر كما مر فبعث إليه الآن الوزير ابن ماسي في ارتجاعها منه كل سبيل الملاطفة فاستشاط لها ابن الأحمر ولج في الرد فنشأت الفتنة لذلك وجهز ابن ماسي العساكر لحصار سبتة مع العباس بن عمر بن عثمان الوسنافي ويحيى بن علال بن أمصمود والرئيس محمد بن أحمد الأبكم من بني الأحمر ثم من بيت السلطان الشيخ فاتح أمرهم وممهد دولتهم وراسل السلطان إشبيلية والجلالقة من بني أدفونش وراء البحر بأن يبعث إليهم ابن عم السلطان ابن الأحمر محمد بن إسماعيل مع الرئيس الأبكم ليجلبا من ناحيته على الأندلس وجاءت عساكر الوزير إلى سبتة فحاصروها ودخلوها عنوة واعتصم حامية الأندلس الذين كانوا بها بالقصبة واتصلت الجولة بين الفريقين وسط البلد وأوفد أهل القصبة النيران بالجبل علامة عل أمرهم ليراها ابن الأحمر وكان مقيما بمالقة فبادر بتجهيز الأسطول مشحونا بالمقاتلة مددا لهم ثم استدعى السلطان أبو العباس من مكانه بالحمراء وأركبه السفين إلى القصبة في غرة صفر سنه تسع وثمانين وسبعمائة وأشرف عليهم من الغد وناداهم من السور يدعوهم إلى طاعته فلما رأوه اضطربوا وافترقوا وخرج إليهم فنهب سوادهم ودخلوا في طاعته متسايلين ورجع جمهور العسكر ومقدموهم إلى طنجة واستولى السلطان على مدينة سبتة وبعث إليه ابن الأحمر بالنزول عنها وردها إليه فاستقرت في ملكه وكملت بها بيعته وكان يوليه أمر الأضياف الواردين والله تعالى أعلم.

.مسير السلطان أبي العباس من سبتة لطلب ملكه بفاس ونهوض ابن ماسي لدفاعه ورجوعه منهزما.

ولما استولى السلطان أبو العباس على سبتة وتم له ملكها واعتزم على المسير لطلب ملكه بفاس وأغراه ابن الأحمر بذلك ووعده بالمدد لما كان من مداخلة ابن ماسي لجماعة من بطانته في أن يقتلوه ويملكوا الرئيس الأبكم يقال: إن الذي داخله في ذلك من بطانة ابن الأحمر يوسف بن مسعود البلنسني ومحمد ابن الوزير أبي القاسم بن الحكيم الرندي وشعر بهم السلطان ابن الأحمر وهو يومئذ على جبل الفتح يطالع أمور السلطان أبي العباس فقتلهم جميعا وإخوانهم ويقال: إن ذلك كان بسعاية القائم على دولته مولاه خالد كان يغص بهم ويعاديهم فأخفى عليهم هذه وتمت سعايته بهم فاستشاط ابن الأحمر غضبا على ابن ماسي وبعث إلى السلطان أبي العباس يستنفره للرحلة إلى طلب ملكه فاستخلف على سبتة رحو ابن الزعيم المكرودي عاملها من قبل كما مر وسار إلى طنجة وعاملها من قبل الواثق صالح بن رحو الياباني ومعه بها الرئيس الأبكم من قبل العساكر فحاصرها أياما وامتنعت عليه فجمر عنهم الكتائب وسار إلى أصيلا فدخلت في دعوته وملكها ونهض الوزير من فاس في العساكر بعد أن استخلف أخاه يعيش على دار الملك وسار ولحقت مقدمته بأصيلا ففارقها السلطان أبو العباس وصعد إلى جبل الصفيحة فاعتصم به وجاء الوزير ابن ماسي فتقدم إلى حصاره بالجبل وجمع عليه رماة الرجل من الأندلسيين الذين كانوا بطنجة وأقام يحاصره بالصفيحة شهرين وكان يوسف بن علي بن غانم شيخ أولاد حسين من عرب المعقل مخالفا على الوزير مسعود وداعية إلى السلطان أبي العباس وشيعة له وكان يراسل ابن الأحمر في شأنه فلما سمع باستيلائه على سبتة وإقباله إلى فاس جمع أشياعه من العرب ودخل في طاعته إلى بلاد المغرب ما بين فاس ومكناسة وشن الغارات على البسائط واكتسحها وأرجف الرعايا وأجفلوا إلى الحصون وكان ونزمار بن عريف ولي الدولة شيعة للسلطان وكان يكاتبه وهو بالأندلس ويكاتب ابن الأحمر بشأنه فلما اشتد الحصار بالسلطان في الصفيحة بعث ابنه أبا فارس إلى ونزمار بمكانه من نواحي تازى وبعث معه سيور بن يحيى بن عمر فقام ونزمار بدعوته وسار به إلى مدينة تازى وعاملها سلمان الغودودي من قرابة الوزير ابن ماسي فلما نزل بها أبو فارس ابن السلطان بادر إلى طاعته وأمكنه من البلد فاستولى عليها واستوزر سليمان هذا وسار إلى صفيروا ومعه ونزمار للاجتماع بعرب المعقل وأسف بهم إلى حصار فاس وكان محمد بن الدمغة عاملا على ورغة فبعث إلية السلطان عسكرا مع العباس بن المقداد ابن أخت الوزير محمد بن عثمان فقتلوه وجاءوا برأسه ونجم الخلاف على يعيش بالبلد الجديد من كل جهة وطير الخبر بذلك كله إلى أخيه بمكانه من حصار السلطان بالصفيحة فانفضت عنه العساكر وأجفل راجعا إلى فاس وسار السلطان في اتباعه ودخل في طاعته عامل مكناسة وجاء الخير مولى الأمير عبد الرحمن ولقيه يوسف بن علي بن غانم ومن معه من أحياه العرب وساروا جميعا إلى فاس وكان أبو فارس ابن السلطان قد رحل من تازى إلى صفيروا للقاء أبيه فاعترضه ابن ماسي في العساكر رجاء أن يفله ولقيه ببني بهلول فنزع أهل المعسكر إلى أبي فارس ابن السلطان وهو بمكناسة فارتحل يغذ السير إلى فاس وسار ابنه أبو فارس للقائه على وادي النجا وصبحوا البلد الجديد فنزلوا عليه بجموعهم وقد اعتصم به الوزير في أوليائه وبطانته ومعه بغمراسن بن محمد السالفي ومراهن بني مرين الذين استرهنهم عند مسيره للقاء السلطان بأصيلا والله أعلم.